الخميس، 14 أبريل 2016

دراسة حول تنسيق وترقيم النص الدستوري الجزء الأول

دراسة حول تنسيق وترقيم النص الدستوري الجزء الأول

بقلم: خالد شبلي*

(الإشكالات العملية التي يطرحها تنسيق وترقيم النّص القانوني من منظور الصياغة التشريعية ووجوب تدارك الأخطاء المادية في القانون رقم 16-01 والمتضمن التعديل الدستوري لعام 2016).
وجهة نظر
(المادة 217: يكون نص التعديل الدستوري الذي تم إقراره موضوع تنسيق وترقيم في مواده). المادة 181 مكرر 2 من مشروع التعديل الدستوري لعام 2016 يطرح الترقيم على مستوى البناء الهيكلي للنص القانوني بُعدين من منظور الصياغة التشريعية ترقيم المواد ككل أي ضمن التقسيم العام أو الهيكل العام للنص القانوني أو ضمن المادة الواحدة في حد ذاتها.
يذهب مستشار الصياغة التشريعية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأستاذ محمود محمد علي صبره إلى الإقرار بأن هناك ميلا عاما لدى صائغي اللغة القانونية للإقلال من استخدام علامات الترقيم في الوثائق القانونية حيث كانت علامات الترقيم نادرًا ما تستخدم قديمًا في الوثائق القانونية ويستدل بطرح اللورد (ريد) القائل بأنه قبل عام 1850 على الأقل لم تكن هناك أية علامات ترقيم تستخدم في النسخة الأصلية لأي قانون صادر من البرلمان بل كانت الهيئات التشريعية قديمًا تصوت على التشريع بعد تلاوته بصوت عال على أعضاء الهيئة التشريعية ولم يكن التشريع يعرض مكتوبًا بل كان القائمون على مستوى الصياغة بالهيئة التشريعية يقومون بكتابة التشريع ويضعون علامات الترقيم حسبما يتراءى لهم ومن ثم كان المعتقد أن علامات الترقيم ليست جزءًا من القانون حيث كان القانون يفسر بدون الرجوع إلى علامات الترقيم.
1- ترقيم النّص القانوني بين التبسيط والتضخيم:
حاليًا وبالرغم أن الهيئات التشريعية الآن تصوت على نصوص مكتوبة للقوانين عادة بشكلها النهائي بما تتضمنه من علامات الترقيم فإن الاتجاه الكلاسيكي للإقلال من الترقيم والتضخيم الرقمي في صياغة النصوص هو الغالب فمن الحكمة حسب هذا الطرح الفقهي التقليل من استخدام علامات الترقيم بقدر الإمكان حيث يستدل برأي الفقيه (دريدجر) أنه: (ينبغي عدم استخدام علامات الترقيم لنقل المعنى) وعلى عكس هذا الطرح يرى (بنيون) أن: (علامات الترقيم تشكل دون شك جزءا من القانون التشريعي وفقًا لما تتضمنه النسخة الأصلية الملكية وما تنشره السلطة المختصة بعد ذلك). إنّ من أسباب الرغبة في تجنب استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية حسب الخبراء والمختصين في الصياغة التشريعية على غرار الخبير الدولي محمود محمد علي صبره نذكر:
-    أن اللغة القانونية لغة مرئية وليست سمعية
-    إحباط أية محاولة للتزوير
-    الحفاظ على وحدة وتماسك النص القانوني
-    الخوف من تفسير علامات الترقيم بما يغير معنى النص.
إلا أن الاتجاه الفقهي الحديث يدافع عن استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية حيث يرى الفقيه (ثورونتون) بأن: (علامات الترقيم أداة من أدوات تركيبة الجملة وهي وسيلة مكمّلة لتوضيح تنظيم الكلمات في الجملة ومن ثم تبرز طريقة بنائها ويتمثل الغرض الأساسي من استخدام علامات الترقيم في مساعدة القارئ على فهم المعنى المراد التعبير عنه بطريقة أسرع وذلك عن طريق وضع علامات إرشادية لتركيب الجملة) وذلك على مستوى نص المادة أو الفصل.
إن التشريع حسب جانب من الفقه ما هو إلا شكل من أشكال الاتصال بين البرلمان والمواطن وأنّ المواطن أي ما يصطلح عليه بالفاعل القانوني من منظور الصياغة التشريعية ينتظر أن يفهم النص التشريعي مثلمَا يفهم اللغة التي يتخاطب بها. لاسيما أن فهم الجمهور يعتمد على القواعد المرعية للنحو بناء الجملة التي يعتبر الترقيم جزءا منها ومن ثم فإنه يعد ضروريًا لتفسير المعنى ولكي يستساغ إعمال مبدأي:
أ_-     مبدأ قابلية وصول النّص القانوني
ب_-    مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون أو ما يعرف بمبدأ اشتراط علم المخاطب بالقانون به.
وللخروج من هذا الإشكال الفقهي يستوجب الإقرار بأن الترقيم يساهم لا محالة في تنسيق وتوضيح البناء الهيكلي للنص التشريعي غير أن الإكثار من الترقيم لنفس موضوع الحكم وتجزئتها اعتباطيًا يؤدي إلى تضخم الوثيقة القانونية وهذا ما يستوجب تفاديه في أي صياغة تشريعية مستقبلاً لا سيما أن الدور مناط بالخبراء والتقنيين ففي الجزائر مثلاً تزخر مختلف المؤسسات المعنية بالعملية التشريعية بأعوان الدولة مكلفين بالمسائل القانونية لدى يستوجب رسكلتهم دوريًا وفقًا للمهام الموكلة لهم خاصة المساعدين التشريعيين ضمن دورات توجيهية في الصياغة التشريعية الجيدة لأن اللغة القانونية لغة تقنية وليست لغة أدبية.
2- الإشكالات العملية التي يطرحها تنسيق وترقيم النّص القانوني من منظور الصياغة التشريعية ووجوب تدارك الأخطاء المادية في التعديل الدستوري لعام 2016:
إن المشكلة حسب الخبراء ليست في استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية وإنما في وضعها في غير محلها أو في الاعتماد المفرط في نقل المعنى. حيث يؤكد جانب من الفقه بأن الاستخدام الصحيح لعلامات الترقيم يمكن أن يرشد عقل القارئ في فهم البناء الحُكمي للمادة القانونية كما يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لعلامات الترقيم أو الإقلال الهزلي إلى أن يُضل القارئ طريقه.
وبالرجوع لما جاء في التعديل الدستوري الجديد لعام 2016 بالجزائر وإسقاطًا لهذه القراءات والرؤى الفقهية والعملية المقارنة يمكن الإشارة بأن القانون رقم 16-01 والمؤرخ في 7 مارس 2016 والمتضمن للتعديل الدستوري الذي صوت عليها كلا من غرفتي البرلمان مجتمعتين معًا بعد إعادة تنسيقه وترقيم مواده كما نصّت على ذلك المادة 217 من الدستور المعدل والتي جاء فيها: (يكون نص التعديل الدستوري الذي تم إقراره موضوع تنسيق وترقيم في مواده) فإنّه يُلاحظ:
-    فيما يخص الأساس الدستوري الذي اعتمد في إعادة تنسيق وترقيم النص الدستوري والجهة المخولة قانونًا بذلك:
إنّ المادة 217 من التعديل الدستوري والتي كانت تحمل رقم المادة 181 مكرر2 في المشروع التعديل الدستوري المصوت عليه جاءت مبهمة أو بالأحرى فيها نقص من حيث الإشارة إلى الجهة المخولة دستوريًا بهذه العملية أي عملية إعادة تنسيق وترقيم المواد الدستورية فالمادة يستفاد منها أنّه بعد إقرار النّص الدّستوريّ يتم إعادة ترتيبه والإقرار هنا يكون من البرلمان مما يؤكد بأن رئيس الجمهورية صاحب المبادرة ومن له سلطة الإصدار والنشر هو المخولة قانونًا ولكن من هي المؤسسة الدستورية التي يناط لها أو تكلف بذلك عمليًا هل الأمانة العامة للحكومة أو مجلس الدستوري؟ هذا نظريًا أو استقراءً لنص المادة ولكن واقعيًا فإنّه تمّ استبعاد المجلس الدستوري عن هذه العملية وخولت بها الأمانة العامة للحكومة على اعتبار أنه نص قانوني كما يجب الإشارة هنا لمسألة مهمة حيث كان الأجدر من البداية عرض مشروع التعديل الدستوري وفقًا لتنسيق وترقيم واضحًا فما الفائدة المتوخاة من هذه العملية أي عملية الإحالة أو بالأحرى التأجيل إلى حين إقراره؟ !! إن التفسير الوحيد لهذه الحالة هو تفسير سياسي أكثر منه قانوني أو تقني يرتبط بأسلوب تمرير التعديل ولكي لا يثير ضجة في طريقة تمريره عبر البرلمان دون الاستفتاء الشعبي
* باحث في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية
عضو بمخبر القانون العمران والمحيط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق